انشرحت صدور المصلين عندما قدّم الإمام الراتب أحد المشايخ لخطبتي الجمعة وصلى بإمامته. وازدادت انشراحاً وسروراً عندما انعكس الوضع في الأسبوع الذي يليه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أثلج صدورهم وجود ثلاثة من المشايخ في الصف الأول. بعد الإنتهاء من الصلاة حيا المصلون هذه الصورة الرائعة وخاطبهم البعض هكذا نريدكم مشائخنا الأعزاء.
كثيرون هم طلبة العلم في المنطقة ودائما يحثون على فضل صلاة الجماعة والصلاة في المسجد، ولكن أين هم عن المساجد؟ ولماذا لاترى إلا شيخاً واحداً في كل مسجد؟ وماهي الأسباب لهذه الظاهرة المنتشرة في المجتمع؟
الناس أحرار يصلون أينما شاؤوا وماهذه الأسطر إلا قراءة سريعة للوضع، وطرح لتساؤلات دائما تتكرر من المصلين وخصوصاً عند غياب إمام الجماعة لظرف ما “أين باقي المشايخ؟ ولم لايحضر أكثر من شيخ في كل فريضة؟”. بكل تأكيد لن تتعطل صلاة الجماعة بتقديم أحد الثقات وهذا ليس موضوعنا. الإجابة على التساؤلات السابقة ليست سهلة وقد طرحت على الكثير منهم و تعددت الأسباب والتي منها العدالة والاطمئنان، المرتبة والمكانة العلمية، الإنشغال بطلب العلم، تجنبا لمزاحمة الإمام الراتب، وتجنبا للإحراج، وأحيانا يكون للمجتمع دور في ذلك بتقديس الإمام -لاصلاة الجماعة- والنظر للشيخ المأموم على أنه أقل شأناً وقدراً وعلماً من الإمام، وغيرها من الأسباب التي تختلف من شخص إلى آخر.
بعض الأسباب المطروحة أعلاه يمكن علاجها من قبل الشيخ نفسه بالبحث عن أي مسجد وأي إمام في المنطقة يتوافق من ناحية العدالة والإطمئنان والمكانة العلمية وغيرها. والبعض الآخر قد يكون بسبب ظاهرة موجودة في معظم المساجد ألا وهي وجود إمام راتب واحد يقوم بأداء كل الفرائض. إنه بالفعل عمل جبار وجهد كبير بأن ينذر شيخ واحد نفسه لخدمة المؤمنين ويرتبط بأداء جميع الفرائض. ولكن ذلك قد يكون له سلبيات منها على سبيل المثال تحرج وامتناع باقي المشايخ للصلاة في المسجد خوفاً من التحسس والمزاحمة. ومن السلبيات صعوبة الحصول على شيخ ينوب مكانه أثناء غيابه إذا لم يكن له دور وارتباط سابق بالمسجد.
لقد شاهدنا تحولًا نموذجياً في مسجد السبطين (ع) بفضل تعاون الإمام الراتب وفسج المجال لبعض مشايخ المنطقة وتكليفهم ببعض الفرائض بشكل دوري بحيث يشارك تقريبا خمسة من المشايخ في كل دورة، وقد شارك خلال العام المنصرم تقريباً ١٢ شيخا من مشايخ الحي بالإضافة إلى الاستضافات لبعض الفرائض و لخطبتي وصلاة الجمعة. كما أن مثل هذا التنوع أيضا معمول به في عدد من المساجد تكاد تعد على الأصابع، وقد أبدى المؤمنون ارتياحاً من هذا التوجه لما له من إيجابيات كثيرة بالرغم من العبء الذي يشكله على الإدارة المنسقة.
مشاركة عدد من المشايخ له إيجابيات جماء ومنها التواجد والمرونة لتغطية الفرائض بسهولة أثناء غياب أي إمام، وأيضا رفع الحرج وجعل الأمر طبيعياً لحضور أي منهم والصلاة بإمامة الآخر حسب البرنامج المعد بغض النظر عن المكانة العلمية والأمور الأخرى. ومن الإيجابيات فسح المجال لمعظم مشايخ المنطقة ليكون لهم دور فاعل في خدمة بيوت الله والمؤمنين والإستفادة من علمهم وتحصيلهم، بالإضافة إلى نشر وإثراء الثقافة والمعرفة، وتجدد الفكر والعطاء حسب تخصصاتهم وتوجهاتهم.
كل التقدير والإحترام لمشايخنا الفضلاء وليس ذلك تدخلاً في شؤونهم بل هو من باب اللحمة الإجتماعية والتكامل والتكاتف للتخلص من هذه الظاهرة في مساجدنا ونشر ثقافة تعدد وتنوع المشايخ حتى وإن لزم الأمر الإبقاء على مكانة الإمام الراتب وتكليف بعض المشايخ بجزء من الفرائض.
عبدالله الحجي
٢٠١٥/٤/١٤