هل ينقصنا الوعي والثقافة؟

قياسي
فتح نافذة سيارته ورمى بكومة من الأوراق، ثم فتحها مرة أخرى ورمى علبة المشروبات الغازية.. ماذا يجري؟ قلت لعله يكون أحد الشباب الغير واعي.. اقتربت بمحاذاته وإذا به يمسح فمه بعد وجبة الإفطار ويرمي بالمناديل لتتطاير في الجو.. الغريب في الأمر بأن توقعاتي لم تكن صائبة, بل وجدت في المركبة رجلا في الأربعينات من عمره بكامل كشخته بغترته وعقاله!

لاشك إننا نشكوا ونعاني من خدمات النظافة السيئة للغاية في شوارعنا و أحيائنا ونصب غضبنا على الجهة المسؤولة عن النظافة لتقصيرها واهتمام العمالة بجمع مايعينهم على التكسب لتحسين رواتبهم المتدنية. لنسلم بالأمر بأن الخدمات المقدمة أسوأ من السيئة ونطالب المسؤولين بتدارك الأمر قبل استفحاله وانتشار الحشرات والقوارض وتفشي الأمراض الخطيرة. لقد تكلم الكثير وكثرت الكتابات ولكن مع الأسف لايزال الأمر بحاجة لخطوات عملية ومراقبة ومتابعة فاعلة من قبل أمانة الأحساء والمؤسسة المسؤولة عن النظافة. 
لنترك ذلك جانبا الآن لعل وعسى صوت المواطن يلاقي صداه لدى المسؤولين، ولننظر للوجه الآخر من العملة.  لنعود إلى تصرف وسلوك أخينا.. بالطبع ليس هو الوحيد ويوجد أمثاله ممن ينقصهم الوعي والثقافة والشعور بالمسؤولية والعمل بتعاليم ديننا الحنيف الذي يحث على النظافة كما ورد “النظافة من الإيمان”. من سافر للبلدان الأوربية وغيرها من الدول الراقية المتطورة يشعر بالفرق الشاسع من حيث النظافة إلى درجة أنه لايرى حتى ورقة صغيرة مرمية في الشارع. قد يقول قائل بأن ذلك بسبب كفاءة عمال النظافة عندهم.. ربما يكون ذلك صحيحا ولكن هذا ليس كل شيء ولابد أن يكون للمواطن والمقيم دور في ذلك.
مسؤولية النظافة لاتنصب على جهة دون أخرى بل تعتمد على تعاون كل الأطراف. في هذه الدول لديهم شعوب واعية وعلى درجة عالية من الثقافة والشعور بالمسؤولية وأي شخص يستنكف ويتحرج من أن يلقي شيئا صغيرا في الشارع. المخلفات من البيوت تجمع في الأكياس وتربط وتوضع في الأماكن المخصصة لترفع في أوقات محددة. وأكثر من ذلك لقد راقني في مدينة سول الكورية ماكان مطلوب منا الالتزام به بفرز المخلفات في أكياس خاصة بألوان مختلفة ومن ثم وضعها في حاويات مخصصة لكل صنف سواء كانت ورقية أو بلاستيكية أو زجاجية أو معدنية، بالإضافة إلى حاوية لجمع بقايا الطعام. فكرة التدوير فكرة رائدة معمول بها في الكثير من الدول وهي موجودة لدينا أيضا ولكنها تحتاج للتفعيل بشكل أكبر من قبل الجهات المختصة بتوفير عدد كاف من الحاويات تساعد في الفرز ويستحيل أن ينجح هذا المشروع بدون تعاون ومشاركة المواطنين. واقعا يوجد الآن بعض الحاويات الورقية وقد انبرت فئة من الشباب في تفعيل مشروع جمع وتدوير البلاستيك والمعادن واستعدادهم للمرور على المنازل في أوقات محددة بعد التواصل معهم ولكن كم هي نسبة المتفاعلين مع هذا المشروع؟
إنها بيئتنا كيف نريدها أن تكون كانت.. إنها مسؤوليتنا قبل أن تكون مسؤولية غيرنا.. إننا شعب لاينبغي أن ينقصنا الوعي والثقافة ونحن الأمة التي يجب أن تكون قدوة لباقي الأمم عندما نتحدث عن النظافة والنظام. فهل نقبلها على أن أنفسنا أن ننتظر فرض النظام علينا بالقوة والجزاء والغرامة كما هو الحال مع ساهر؟! هل حقا ينقصنا الوعي والثقافة للحد من النماذج غير المشرفة أمثال المذكور أعلاه؟
وأختم بموقفين من مقطعي فيديو انتشرا بشكل كبير، أحدهما لصاحب دراجة نارية كان يتجول في الشوارع في إحدى الدول وكلما شاهد شخصا يرمي مخلفات من سيارته حملها ولحق به ورماها عليه داخل سيارته، فيشتاط غضبا وغيضا ولكنه سرعان مايكتشف خطأه ويهدأ ليكون له درس رادع في التفكير مرارا وتكرارا قبل أن يكرر مثل هذا العمل الغير حضاري. والموقف الآخر لرجل الأعمال الكوري الذي يقيم في البحرين ويخرج في كل صباح ليجمع المخلفات من الشارع ويفرزها واستمر على ذلك لمدة ١١ سنة وهو يستمتع بمايقوم به، كل ذلك من أجل المحافظة على البيئة التي يقيم فيها لتبقى نظيفة.
كيف ستكون بيئتنا لو أن كل شخص تحمل جزءا من المسؤولية وأبدى تعاونه وجمع المخلفات ووضعها في أماكنها المخصصة؟ حينها لاأعتقد بأنه ستكون هناك حاجة لما يقوم به رجل الأعمال الكوري وسيقل الجهد على الجهات المختصة عن النظافة لتكون أكثر فعالية لننعم ببيئة نظيفة جميلة تعكس الصورة والسلوك الذي يشرفنا أن نظهر به أمام العالم. وأكرر بأن ذلك ليس مبررا للأمانة لتقف مكتوفة الأيدي بل لابد من أخذها بزمام الأمور ونشر الثقافة والوعي ودراسة أسباب تدني هذه الخدمات واتخاذ الإجراءات المناسبة بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية.


3 رأي حول “هل ينقصنا الوعي والثقافة؟

التعليقات مغلقة.