كفى بالموت واعظا

قياسي
قبل اسبوع سألني أحد الزملاء عن موضوع مقالتي المرتقبة فقلت له سأتناول موضوع العمل بروح الفريق الواحد ولكن قبل نشرها تلقيت رسالة تنعى فقد أحد الأقارب الأعزاء على قلبي فجأة فارتأيت بأن النفس بحاجة للتوقف عند محطة الموت للتزود بالعبرة والموعظة قبل فوات الأوان. وعندما أخبرته بذلك صمت قليلا ثم تمتم لم تذكرنا بالموت؟! إنه مصير لامفر منه فهم السابقون ونحن اللاحقون وإن كانت الأنفس منشغلة ومغترة بطول الأمل وتنقبض كلما ذُكر الموت. قال أمير المؤمنين (ع):




يـــا مــــــــــن بـدنيــاه أشـتـغــل *** قــــد غــره طــــــــــــــــــول الأمــــل
المـــــــــــــــــوت يـأتـي بـغتــة *** والـقبــــــــر صنـــــــــــدوق الـعـمـــل
ولـــم تــــــزل فـــي غـفـلـــــــة *** حـتـــى دنـــــــــــا منــــــــك الأجـــل

 
مدخل المقبرة يضيق يوما بعد يوم بسبب أعداد القبور المتزايدة التي تلتهم الطريق من جانبيه… فأين سيكون المصير، وفي أي بقعة سيكون المسكن، ومامدى استعدادنا للموت الذي لايعرف صغيراً أو كبيراً ولا عليلاً أو سليماً.
 
يتهافت الكثير للاشتراك في خدمة أخبار الوفيات عبر الواتس اب لمعرفة من انتقل إلى الرفيع الأعلى ليشارك إخوانه المؤمنين في التشييع والعزاء، وبين الحينة والأخرى تتوافد العديد من الرسائل بفقد الجار والصديق والقريب. يجتمع المؤمنون في المقبرة للمشاركة في مراسم التشييع والعزاء يتأثر من يتأثر منهم ويحزن من يحزن منهم والبعض الآخر يكون على هيئة مختلفة جدا غير عابئ وغير ملتفت بأنه داخل المقبرة لاهيا في ملذات الدنيا وزينتها بأحاديثه الجانبية وتجارته الدنيوية وكأن الأمر لايعنيه وأنه لن يشرب من هذا الكأس.
 
متى ننتبه من غفلتنا؟ عندما نقبل على أي امتحان في دار الدنيا نذاكر ونستعد لكي نحصل على الدرجات التي تؤهلنا لاجتياز الامتحان بنجاح وكم هي السعادة التي تغمرنا عند تحقيق ذلك وإن لم نوفق في المرة الأولى تكون لنا محاولة أخرى أو عدة محاولات. يوم الامتحان عادة يكون محددا ومعروفا لدينا فنكون على أهبة الاستعداد له بالجد والاجتهاد، ولكن كيف حالنا مع الامتحان والإبتلاء الأكبر الذي لايعرف في أي لحظة يباغتنا ونحتاج أن نكون له مستعدين دوما؟ قال تَعَالَى: “فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ”.
 
في أي لحظة قد تكون رسالة الواتس اب تحمل خبر رحيلنا إلى الرفيق الأعلى يتلقاها كل الأهل والأصدقاء والأحبة وعموم المشتركين في هذه الخدمة…نعم إن الموت حق و “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ”. قد يكون ذكر الموت مراً ومنكداً لصفو العيش وهداماً للذات كما ذكر وأوصى المصطفى (ص) “أكثروا من ذكر هادم اللذات” ولكن نحن بحاجة لذلك لنتنبه من غفلتنا ونراقب أعمالنا وعلاقتنا مع خالقنا وخلقه ونهذب من تصرفاتنا التي تسلك بنا الصراط المستقيم لنجتاز الامتحان عند بلوغ طريق اللاعودة. إنها فرصتنا اليوم أن نتعظ بمن سبقونا ونتفكر ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسَب و نصرخ ونتوسل للرجوع والحصول على فرصة ومحاولة أخرى لتحسين الوضع ولكن هيهات يكون لنا ذلك وقد نبهنا وأنذرنا الرحمن الرحيم في قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ “
 
وعندما نحمل جنازة المتوفى إلى مثواه فلنعش هذه اللحظات وكأننا نحن المحمولين على أكتاف الأحبة لنُدفن في تلك الحفرة الصغيرة الضيقة التي لم “نمهدها لرقدتنا، ولم نفرشها بالعمل الصالح لضجعتنا”. ويصور لنا هذا الموقف الإمام الصادق (ع) في قوله: إذا حملت جنازة فكن كأنّك أنت المحمول ، أو كأنّك سألت ربّك الرجوع إلى الدنيا لتعمل ، فانظر ما تستأنف ، ثمّ قال : عجباً حُبس أوّلهم على آخرهم ، ثمّ نادى منادٍ فيهم بالرحيل وهم يلعبون.”
 
الانشغال بحب الدنيا ونعيمها وزينتها وملذاتها يجعلنا نتعلق بها أكثر ونسعى في تعميرها ونكره الآخرة التي قصرنا في تعميرها وبقيت خربة كما ورد عن الإمام الحسن (ع) عندما سئل ما بالنا نكره الموت، ولا نحبه؟.. قال : (إنكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياك..، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب). مادمنا في غفلة عن ذكر الموت والاستعداد له في أي لحظة فماعسى أن يكون مصيرنا؟ إنها فرصة أن نغير في كيفية تلقي هذه الرسائل والتعامل معها وتلك الأخبار والمراسم التي نحضرها ونخصص جزءاً من برنامجنا اليومي للمحاسبة وتذكر الموت ليكون لنا خير واعظ كما قال المصطفى (ص): “كفى بالموت واعظا ، وكفى بالتقى غنى ، كفى بالعبادة شغلا ، وكفى بالقيامة موئلا ، وبالله مجازيا”. وعندما سُئل أمير المؤمنين (ع) : ما الاستعداد للموت ؟.. قال : أداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، والاشتمال على المكارم ، ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه… “.
 
إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ارحمنا قبل الموت وعند الموت وبعد الموت، واجعل عواقب أمورنا خيرا، واجعلنا من الذاكرين ولاتجعلنا من الغافلين المبعدين آمين يارب العالمين.
 
٢٠١٤/١٠/١٢