قبل أيام قرأت مقالا لأحد الإخوة في الصحف اليومية مفتخرا بجبل القارة بسبب الوفود الغفيرة التي ترتاده من كل حدب وصوب للإستمتاع بنسيمه البارد العليل بعيدا عن شدة الحرارة في فترة الصيف، ومشيدا برأي أحد المسئولين بالإهتمام الذي توليه بلدية الأحساء لهذا الصرح حيث تمت صيانة جميع دورات المياه والاهتمام بنظافته.
سررت كثيرا بما قرأت حيث انني لم أذهب إليه منذ فترة طويلة فأخذت عائلتي وتوجهت إلى ذلك الجبل الشامخ ذلك الطود العظيم ذلك المعلم الأثري المشهور في مدينة الأحساء فنظرت يمينا وشمالا متفحصا لما ناله من نصيب من التطويرات والتحسينات المزعومة فرأيته أسوأ حالا مما كان عليه قبل فترة من الزمن. بالأمس كان يوجد بوفيه لتناول المرطبات والمأكولات الخفيفة واليوم اكتفينا بوجود عربة عند المدخل مليئة بالماء والثلج لتبريد وبيع الماء والعصيرات… بالأمس كانت دورات المياه في وضع جيد واليوم أصبحت خارج الإستعمال وإن وجدت واحدة فليست بأحسن حالا من بعض دورات المياه الموجودة على الخطوط العامة…
بالأمس كان الأطفال يستمتعون ببعض الألعاب واليوم أصبح ليس لها ذكر.. بالأمس كان السائح يدخل تلك المغارة ويستمتع بذلك النسيم العليل واليوم أصبح بحاجة لكمامة لأنفه بسبب تلك القاذورات والروائح الكريهة التي يتسبب فيها ذلك السائح غير الواعي وغير المسئول… بالأمس وبالأمس وبالأمس ولا أريد أن أكون سلبيا ومتشائما كثيرا لكنها الحسرة التي يشعر بها أهالي المنطقة بسبب تلك الغفلة لهذه النعمة الالهية وهذا الكنز العظيم في منطقة الخيرات.
حبا الله المنطقة الشرقية بخيرات النفط والصناعة والزراعة وهي غير بعيدة لتنافس الكثير من المناطق الأخرى في السياحة وتسهم في تنوع الإيرادات والدخل لبلدنا الحبيب بدلا من التركيز المكثف فقط على النفط. بزيارة الأماكن السياحية في بعض الدول الآسيوية والأوربية إنني أضع علامة استفهام كبيرة لما سيؤول اليه الوضع لو كان هذا المعلم في إحدى تلك الدول. بجولة في النمسا التي يرتادها الكثير من السياح في كهف الجليد الذي يقع على ارتفاع الآلاف من الأمتار ولكن ذلك لم يكن عائقا لتعني الكثير إليه لإكتشاف أعماقه والاستمتاع بالتجول بين صخوره في درجة حرارة لا تتعدى الصفر المئوي. لقد شقت تلك الطرق وعبدت بين حنايا تلك الجبال الشاهقة ومددت تلك الكيابل لتسحب تلك العربات المليئة بالسياح إلى أعلى القمم. وما ان تصل إلى ذلك الباب حتى تجد المرشد السياحي مستعدا بمصابيحه ليفتح ذلك الباب وتهب تلك الرياح الباردة فتدخل وتستمتع بتلك الأجواء الباردة متسلقا سبعمائة (700) درجة خشبية قد تم انشاؤها محاطة بالقضبان الحديدية… لك أيها السائح لتستمتع بجولتك خلال الساعة التي تقضيها في هذه الأجواء وتشاهد مانسجته الطبيعة من أشكال جليدية جميلة من قمم الجبال. من لم يذهب لهذا الكهف يستكثر تسلق 700 درجة صعودا وأيضا نزول 700 درجة أخرى للخروج ولكن ما أن يبدأ تلك الجولة حتى يشعر بالراحة ولا يكترث بتلك الأعداد.
وذهابا إلى منجم الملح الذي يقع في أعماق الجبال ولايحتاج التسلق والصعود بل النزول. فقد هيأت القطارات لتأخذ السياح وتشق تلك الأنفاق الطويلة على تلك القضبان ومن ثم إكمال النزول تزحلقا على تلك الأخشاب الملساء والسير على الأقدام والاستمتاع بالشرح عن كيفية استخراج الملح بمختلف اللغات، ثم عبورا بعابرة في بحيرة تحت الأرض وصعودا بالمصعد في نهاية الجولة. فحتى لايقال ان ذلك في أوربا فلنذهب إلى مغارة جعيتا في لبنان ونستمتع بما هو أكثر جمالا من كهف الثلج في النمسا ونشاهد تلك المياه النازلة من قمم الجبال وما نسج من أشكال جليدية رائعة.
وحتى لا أسهب وأترك المجال للخيال ليذهب بعيدا في أقطاب الأرض أعود لجبلنا المؤود، لجبلنا الحبيب، لجبلنا المنسي بين أحضان القرى وماذا سيكون مصيره؟ إن مغاراتنا على سطح الأرض ولاتحتاج إلى تلك الطرق الوعرة للوصول إليها! في خطوة ايجابية والتفاتة مشكورة للجهات المعنية تم تزويد جزء من المغارة بالإضاءة وسفلتة الطريق المؤدي إليها ولكن هل هذا هو كل ماتحتاج إليه وما نستطيع عمله. إنها قفزة خجولة وكلنا ثقة بأننا نستطيع أن نفعل الكثير الكثير للنهوض بهذا المعلم ليتحدث عنه السياح في مختلف الدول ويصبح أحد المعالم السياحية في بلدنا الغالي ويسهم هو وغيره من المعالم السياحية بجذب أكبر عدد من السياح. لقد سمعنا مؤخرا بتوجهات وخطط مستقبلية لهذا المعلم وكلنا شوق وأمل وانتظار لرؤية تلك التطورات الجبارة التي تقتحم آفاق تلك المغارات ليلج فيها السائح ماكثا الساعات بدلا من الدقائق المعدودة.